تحتفل تركيا، الأربعاء، بيوم "الديمقراطية والوحدة الوطنية"، إحياءً للذكرى السنوية الرابعة لإحباط المحاولة الانقلابية التي شهدتها البلاد في 15 يوليو/ تموز 2016 تشهد كافة ولايات البلاد، أنشطة وفعاليات يشارك فيها ممثلو كافة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتمتزج في هذا اليوم مشاعر الفرح بالحزن والفخر، إذ تستذكر الأسر التركية شهداءها الذين ارتقوا دفاعا عن وطنهم خلال 15 ساعة فقط، نجحت السلطات التركية في إجهاض محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها مجموعة من الضباط المنتسبين لمنظمة "غولن" الإرهابية التي يتزعمها "فتح الله غولن" القابع في بنسلفانیا الأمريكية، ليلة 15 يوليو/ تموز .2016
ان ما جرى ليلة الخامس عشر من تموز عام 2016 في تركيا فجأة وخارج كل التوقعات، حدثت محاولة انقلاب، حيث كان الغموض سيد الموقف لعدة ساعات سيطرالانقلابيون مبنى التلفزيون الرسمي، ويذيعون منه بياناً يعلنون فيه السيطرة على الحكم وفرض الأحكام العرفية ويمنعون التجول إلى غير ذلك من الإجراءات، ومنها استهداف مبنى البرلمان التركي بالقنابل لمنع النواب من الاجتماع تحت قبته، وتعبيراً غير معلن عن النية المسبقة في القضاء على الديمقراطية
ليلة القبض على الانقلابيون ، نهاية زمن العسكر في السياسة،حيث ان برنامج «الفايس تايم» الذي تحدث من الرئيس للشعب ينقذ تركيا من مسلسل دموي، والشعب ينقذ الزعيم المنتخب بشكل ديمقراطي طبعا كلها عناوين صالحة للقبض على جزء من حدث كبير، حدث شد انتباه العالم عندما نزلت دبابات الجيش التركي ليلة الجمعة السبت في اسطنبول وأنقرة وأزمير وأنطاليا عنتاب الى الشوارع معلنة انقلابا على الديمقراطية، أعقبه بيان تعليق العمل بالدستور، والإطاحة بالرئيس المنتخب، وإعلان الحكومة الشرعية مؤسسة خارج اللعبة، وفرض حالة الطوارئ وتشكيل مجلس حكم عسكري أطلقوا عليه تحببا اسم مجلس السلام. لم يدم هذا الفيلم المرعب سوى ساعتين قتل فيها أكثر من 260 مواطنا من الشرطة والمدنيين، فإن المشهد الدرامي تحول فجأة حين ظهر أردوغان عبر جهازٍ نقال، يدعو الشعب التركي للخروج إلى الشوارع لحماية الديمقراطية، وظننا أن أردوغان فعل ذلك كمجرد محاولة يائسة، ولكن المفاجأة العظيمة أن الشعب خرج إلى الشوارع وواجه آليات الانقلابيين وسدوا عليهم المنافذ والطرقات لمنعهم من التحرك والسيطرة على مؤسسات الدولة. إن الصورة أبلغ من ألف كلمة، وهذا ما رآه العالم نقلا حيا من شوارع اسطنبول وأنقرة، حيث وقف الشباب عاريي الصدر أمام الدبابات مانعين إياها من الحركة والتقدم، ومانعين السلاح من اغتصاب السلطة، والرصاص من انتهاك حرمة الاقتراع، والخوذة من اغتصاب الشرعية
ساعات عصيبة تمضي ببطئء شديد حتى حسم الشعب الحر معركته معركة الديمقراطية ضد حكم العسكر ، ووضع نهاية سعيدة لفيلم انقلابي مرعب ,وإعطاء الشعب التركي درس للعالم في الديمقراطية وأن المواطن التركي لا يقبل عودة زمن الانقلابات، وأن سياسته تحررت من وصاية العسكر وإلى الأبد طبعا ما هي إلا لحظات حتى هب الرجال والنساء والشباب والشيوخ إلى الشارع رغم أن الوقت متأخر، والرصاص يلعلع في المدن، والطيران يقصف الأحياء من السماء، والتلفزة الرسمية تبث خطابات الانقلابيين، والعالم وقواه الكبرى تتفرج دون أن تدين الانقلاب، ودون أن تدعم الحكومة المنتخبة. هنا يجب ان نقف عند نقطة هامة جداً، وهي أن أردوغان توجه بندائه إلى الشعب، والشعب وحده، لحماية تركيا، ولم يعتمد كما هي العادة على المدفع والصاروخ لحماية حكمه وحكم حزبه.. وهذه مسألة ذات مغزى كبير، فكأن أردوغان يريد أن يقول: نحن جئنا بإرادة الشعب، وللشعب وحده الحق في الدفاع عن تركيا وعن نظام الحكم الديمقراطي
الانقلاب فشل، وتفسيرات واسباب عدة أعطيت لفشله، لأن المنتصرين عادة هم من يكتبون التاريخ، لكن السبب الرئيسي الاول كان الشعب، هذه الكلمة السحرية، التي تستعمل كثيرا ولا تظهر إلا قليلا، تحولت من مجاز إلى حقيقة ليلة الجمعة. المواطن التركي أبدى شجاعة استثنائية وهو يدافع عن الخيار المدني، ويرفض العودة إلى زمن حكم العسكر الذي جربه سنوات طويلة ولم يجنِ منه إلا المآسي
السبب الثاني الذي أفشل الانقلاب هو عجزه أو توفير أي غطاء سياسي لجريمته. الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما فيها الحزب الكردي الذي يكره أردوغان أكثر من أي شيء في العالم، وقف إلى جانب الأحزاب الثلاثة الأخرى ضد الانقلاب، ووضعت جميع الأحزاب خلافاتها جانبا، ووقفت ضد المحاولة الانقلابية لجزء من الجيش على الحكومة المنتخبة
السبب الثالث الذي ساعد على فشل انقلاب تركيا هو التعددية الإعلامية، وتطور وسائل الاتصال الحديثة التي لم يستطع الانقلابيون السيطرة عليها كما في السابق، حيث كان يكفي دخول العسكر إلى الإذاعة والتلفزة الرسمية وتلاوة البيان الأول ليفرضوا سطوتهم على التوجيه الإعلامي للجمهور
السبب الرابع الذي يقف خلف فشل الانقلاب العسكري في تركيا فهو ولاء مؤسستي الأمن والمخابرات للحكومة، لقد اتضح أن المجهودات الإصلاحية التي قامت بها حكومة أردوغان على مدى 14 سنة من الحكم أفلحت في إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وجعلها في خدمة البلاد وليس في خدمة أشخاص أو لوبيات أو مخططات داخلية أو خارجية
لكن أجمل ما حدث أن الشعب التركي الذي تربى على الديمقراطية الحقيقية طوال أكثر من خمسة عشر عاماً، لبى النداء، بكل فئاته من مؤيدين ومعارضين، وإسلاميين وعلمانيين، ونزلوا إلى الشوارع وواجهوا آليات الانقلابيين وأسلحتهم، وحاصروهم وسدوا عليهم المنافذ والطرقات، وضحى البعض منهم بحياتهم في سبيل أن تبقى راية الديمقراطية الحضارية عالية في سماء تركيا
وكان الشعب التركي المحب لوطنه وقائده بطل ذلك الفيلم الدرامي الطويل
|