التركمان في منطقة نهر البليخ
كانت عقيدة الترك وثنيّة تدعى التانغري ورمزها السماء الزرقاء إشارة لمكان الإله ، وبعد تقدم الفاتح قتيبة بن مسلم الباهلي القيسي بجيش المسلمين العرب زمن الدولة الأموية إلى آسيا الوسطى والصين على رأس سنة ٧٠٠ ميلادي ؛ بدأ الترك التعرف على هذه الحضارة الجديدة تدريجيا ، فكانت قبيلة الكراكول التركية الاولى في دخول الاسلام ثم قبيلة الأوغوز العظيمة والتي منها السلاجقة والزنكيين والعثمانيين .
وأول تحالف عربي تركي في التاريخ كان في معركة نهر طلاس التي وقف فيها الاتراك إلى جانب العرب المسلمين ضد الجيش الصيني في بداية العصر العباسي سنة ٧٥١ م ، فكانت نقطة تحول تاريخية دخل فيها الاتراك الدين الجديد ، ومن هنا سمي الترك بالتركمان وتعني الأتراك المؤمنين ، حيث دمجت كلمتي ترك وإيمان الاسلام في كلمة تركمان لتفريقهم عن الترك الكفار .
وقد حمل الأتراك راية الرسالة لاستكمال ما توقف عنه العرب من صد للغزاة وفتح لبلدان جديدة ، واستطاعوا إنهاء سيطرة البويهيين الفرس على الخلافة في بغداد ، وبسط المذهب السني في العالم الاسلامي ، والذي تطور في العهد العثماني إلى فتح أجزاء واسعة من أوربا وصلت لحدود النمسا .
مذهب المسلمين الأتراك .يعد المذهب الحنفي هو المذهب الأول لدى الأتراك ، وعليه فإنهم يتبعون لمدرسة الرأي ، التي سرعان ماتطورت وتأثرت بأفكار المعتزلة في الاعتقاد ، إلى أن أصبح العقل عندهم مقدم على النص في [ مسائل الايمان والصفات والقدر] ، فتبنى الأتراك عقيدة ابو منصور الماترويدي وأبو موسى الأشعري فقها وعقيدة ، وأنشاوا مدارس لعلم الكلام والفلسفة ومزجوها بالتصوف الذي عم البلاد ، واصطدموا فكريا بأهل السنة والجماعة ( أهل الحديث والأثر - السلفية ) الذين حمّلوا أهل الكلام مسؤولية انتشار الفرق الضالة وتراجع العقيدة بين المسلمين وانتشار البدع والخرافات وتقديس الأضرحة وعدم تمسكهم بعقيدة الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي وغيرهم .
تاريخ وفود العرق التركي الى الجزيرة الفراتية وسوريا .
حين نشأ صراع بين أمراء بني مرداس القيسيين على الحكم في حلب في القرن الحادي عشر الميلادي ، استنجد بعضهم بالسلاجقة الروم [الترك] في الأناضول ، فكان ذلك التدخل بداية وصول التركمان للداخل السوري رسميا ، فأخذوا حلب من المرداسيين وانتزعوا دمشق من الفاطميين ، ثم استغل الصليبيون ضعف السلاجقة فيما بعد فنزلوا انطاكيا وسواحل فلسطين واحتلوا القدس .
أما الجزيرة الفراتية فكانت جزءا من دولة بني عقيل القيسية منذ ٩٩٠ م ، والذين تربطهم بالسلاجقة العظام علاقة تحالف ومصاهرة ، إذ تزوج أمير الدولة العقيلية مسلم بن قريش بن المقلد العقيلي من الأميرة صفيّة خاتون بنت السلطان ألب أرسلان ( بطل معركة ملاذكرد التاريخية ) وهي أخت زوجة الخليفة العباسي المقتدي الأميرة سِفْري خاتون . ولكن العقيليين قطعوا تحالفهم مع السلاجقة وهاجموا دمشق وضربوا عليها حصارا دام شهرا ، بهدف ضمها لبناء دولة عربية كبرى سندا للخلافة وسط صراع بين قوى فارسية ورومية وتركية وفاطمية على الخلافة العباسية المتهاوية .
وعند أنطاكيا تقاتل العقيليون والسلاجقة الروم فقُتل أمير العقيليين وبدأت دولتهم تنهار ، فدخل السلاجقة العظام عاصمتهم الموصل من الشرق ثم الرها فحلب ، وبذلك انتهى الدور القيادي العربي في المنطقة ، وظهر الوجود التركي رسميا لأول مرة في تاريخ الجزيرة الفراتية السورية .
تعاقب على حكم بلاد الشام والجزيرة الفراتية اكثر من اسرة تركية - بعد الدولة الطولونية في دمشق - بدءاً بالسلاجقة العظام ثم انقسمت إلى سلاجقة محليين ، ثم ورث الزنكيون الحكم من السلاجقة ، وحكمت الاسرة الأيوبية فالمماليك واخيرا العثمانيون .
ثم توالت هجرات القبائل التركمانية الى بلاد الشام و الاناضول بعد زحف المغول [ التتر] باتجاه الغرب ، وأشهرها قبيلة الكايي الأوغوزية والتي منها عثمان بن أرطغرل جد ومؤسس الدولة العثمانية التي قامت على أنقاض دولة السلاجقة .
وبعد أن دخل العثمانيون بلاد الشام قاموا ببعض الاجراءات ، وكان اهمها اسكان قبائل تركمانية من غرب الأناضول كمنفى لهم وعقاب في شمال سوريا عموما وفي حران وسهل البليخ خاصة ، للحد من حياة البداوة والترحال التي كانت سببا للشغب والغزو وتردي الاوضاع الأمنية والاقتصادية ، و تطويعا للعشائر وانخراطها في العمل الحكومي والعسكري لصالح الدولة ، وذلك منذ عام ١٦٩١ م ، فقامت الدولة العثمانية ودفعا لاستقرار تلك القبائل وإجبارها على الاستيطان ببعض الاجراءات من زراعة الأراضي ومنع ترحال العشائر مع قطعانها في مواسم الرعي باستثناء الرعاة .
إضافة إلى ذلك اهتمت بالزوايا الصوفية والتكيات وكذلك بقبور "الصالحين" فظهرت فوق بعض تلال المنطقة مزارات ، فصار لكل قبر قيّم [ جيّم ] يخدمها ويعتني بها ويستقبل زوارها ويأخذ عنهم الذبائح ، كالصبي الأبيض ، والشيخ هبش والشيخ هليمة وغيرها ، حتى اعتبرت هذه المزارات ملاذا للمظلومين وحماية بوجه البدو الغزاة الذين يخشون غضب هؤلاء "الصالحين" .
إلا أن تلك القبائل عادت إلى الأناضول ، وبعضها الآخر أجبرتها القبائل العربية فرحلت كما حصل بين جيس والتركمان بدايات أعوام ١٧٠٠ ، ومن تلك القبائل كانت بين حران و سلوك وعين العروس حتى حدود عين عيسى ؛ البكمشلية والقره شخلي والجيمكانلي والبوز قوينولو والديملكلو وبيدلي ، وخليط من عشائر الملية الكردية .ومن ذراري تلك القبائل توجد اليوم أسر تنتمي لقبيلة البكمشلية الأوغوزية كعائلة البوزان الجمعة والناشات في قرية العزيزية ، والاسود العلي و المامو والصالح العيسى في الدوغانية وأقربائهم عائلة الدوري بتل ابيض ، والمجو والجمعة القادر في الزيبقية ، وعائلة السمعو في قرية المنارة ، والكجل في تل أبيض ، ومن التركمان ايضا حسن العلي الاعرج والعلي حميدي وخلف الابراهيم والدامات ( الدلوف) في حمام التركمان ، كذلك الباكيرات وفي الدامشلية أيضا ومن التركمان عشيرة قره شيخلية في حمام التركمان ، والجتا في مزرعة بلال الجتا والدامان وعائلة أبو زر في تل ابيض شرقي . والمهدي في قرية رسطام من قبيلة إلبيليه .
المصدر
مقتطفات من مقالة الباحث اسامة الشهابي
|