تركمان لبنان..
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
على الرغم من أن جميع التركمان اللبنانيون هم جزء من الطائفة السنية، إلا أنهم يتميزون باختلاف مراحل توافدهم إلى لبنان، كما بنسبة وعيهم القومي التركماني وتوزعهم الجغرافي المتباعد على الأراضي اللبنانية. فالتركمان ليسوا جماعة واحدة في لبنان اليوم أو ذات أصول وتجربة تاريخية واحدة، بالرغم من أنهم يعودون إلى أصول قومية تركمانية واحدة.
ووفقاً للدّراسات التّاريخيّة، يعود الوجود التّركمانيّ في لبنان إلى القرن الثّاني عشر، حين قام المماليك الّذين حكموا في جبل لبنان، بتجنيد عساكر من أصلٍ تركمانيّ، وتوزيعهم على أماكن استراتيجيّة (كسروان على سبيل المثال) للسّيطرة على المنطقة. وفي العام 1516، شارك التّركمان جنبًا إلى جنب مع العثمانيّين في معركة مرج دابق، وفي السّنة التّالية في الحملة على مصر الّتي شنّها السّلطان سليم الأوّل.
ومكافأة لجهودهم وولائهم، وهبهم السّلطان أراضي في لبنان وشجّعهم على الاستقرار هناك بشكلٍ دائمٍ من أجل تزويد الباب العالي بمعلوماتٍ عن الأنشطة المحتملة ضدّ السّلطنة، وليكونوا قواعد لوجستيّة وعسكريّة في الحملات المستقبليّة. في وقتٍ لاحق، في القرن التّاسع عشر، فرّ تركمان آخرون - عُرفوا باسم "المهاجرين" - من جزيرة كريت ولجأوا إلى لبنان بعد سيطرة اليونانيّين على الجزيرة في الحرب العثمانيّة اليونانيّة في العام 1897. التركمان أو الأتراك قوم قدموا من أواسط آسيا، وينحدرون من قبائل“الأوغوز”، إحدى أكبر القبائل التركية الأربعة والعشرين أو الاثنين والعشرين كما ورد في الدراسات المختلفة، وتبقى هذه القبيلة أكبر وأهم قبيلة تركمانية وإن اختلفت أعداد تلك القبائل التي انحدرت منها أهم الدول والإمبراطوريات التركية التي عرفها التاريخ، فالأتراك والتركمان في يومنا هذا، من ذات القبيلة الأوغوزية .تميزت موجات هجرة التركمان على دفعات من موطنهم الأم آسيا الوسطى، وبشكل واضح نحو الجنوب، فكانت حياتهم قبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حاليًّا، عبارة عن ترحال مستمر وتدريجي، أشبه بحياة البدو الرحل، تهاجر قبيلة تلحقها الأخرى وهلم جرا.
وكانوا يختلفون عن البدو بطريقة الترحال، إذ يعدون مستقرين في وجهتهم، من الشمال إلى الجنوب، مقتربين أكثر فأكثر من منبع الحضارة آنذاك، الشرق الأوسط، وأسسوا دولًا من خلال ترحالهم، مثل الدولة الخوارزمية ودولة القراخانات، وغيرها من الدول، وصولًا إلى السلاجقة والعثمانيين، ويوجد اليوم الكثير من التركمان في الدول العربية أبرزها العراق وسوريا، ويسجلون وجودًا في لبنان لكنهم غائبون عن المشهد الإعلامي والسياسي، يواجهون بعض التحديات والمشاكل، ورغم الغموض الذي يحيط بهم، تربط تركمان الشمال اللبناني خاصة علاقة جيدة مع تركيا، فمن هم تركمان لبنان؟ وما أبرز مشاكلاتهم؟
التوزع التركماني في مناطق لبنان
الوجود التركماني في لبنان يمكن تقسيمه إلى عدة مجموعات رئيسية هي:
1-تركمان عكار (شمال لبنان) وهم القاطنون في قريتين مجاورتين للقبيات، 2-تركمان بعلبك الموجودون في تجمعات سكانية بوادي البقاع وقرية محاذية للحدود السورية في الهرمل.
3-تركمان الضنية (الشمال) الذين يقطنون قريتين في القضاء،
4-أتراك كريت الذين يسكنون مدينة طرابلس بعدما قدموا إليها من جزيرة كريت اليونانية،
5-أتراك الماردينيين وهم الذين هاجروا إلى لبنان من تركيا في القرن الماضي.
6-تركمان سوريا الذين سكنوا مناطق تركمانية في بعلبك وعكار بعد الحرب في سوريا.
تأتي محافظة عكّار (شمال) في مقدّمتها، ويتركّزون في قرى الكواشرة و عيدمون (أكبر قريتين للتّركمان)، الدّبّابيّة، الدّوسة، ووادي الجاموس. ويتواجدون في محافظة البقاع (شرق) يتواجدون في مدينة بعلبك، و قرى النّعنعيّة، والشّحيميّة، وعدّوس، والحديدية.كما ينتشرون بأعداد أقلّ في كلّ من مدينة صيدا (جنوب)، وبلدة القلمون (شمال)، والعاصمة بيروت، ومدينة طرابلس (شمال)، وقضاء الضّنّيّة، في قرية الحوّارة.
أصبحت لبنان جزءاً من الدولة العثمانية في عام 1516، وتم جلب الأتراك إلى المنطقة مع جيش السلطان سليم الأول أثناء حملته إلى مصر وعاش الأتراك في الأراضي التي فتحوها. وشجع القادة الأتراك للبقاء في لبنان. وقد شهد هذا تأثيراً عميقاً وأصبحوا الآن يمثلون عرقية كبيرة بجانب العرب، لا سيما داخل الطائفة السنية. في مدينة طرابلس، هناك أتراك قدموا من جزيرة كريت، فبعدما فقدت الدّولة العثمانيّة السّيطرة على هذه الجزيرة في 1897، استقرّ أغلب سكّان هذه الجزيرة في مناطق مرسين و أزمير (تركيا) ومنهم من توجّه إلى طرابلس اللبنانيّة، ودمشق وحلب . وبالنّسبة للعاصمة اللبنانية فتحتوي على الأتراك قدموا من مدينة ماردين ، جنوب تركيا بسبب الأزمات الاقتصاديّة و البطالة واستقروا في بيروت.
تشكل قرية الكواشرة إحدى أبرز القرى التي تحتضن سكانًا حافظوا على هويتهم ، علمًا بأنهم يتحدثون اللغة التركية وينتمون إلى المذهب السني، ويلاحظ أن العلم التركي يرفرف في أماكن كثيرة بالبلدة، مثل بلدة عيدمون ، 75% منهم من التركمان، فيما يشكل المسيحيون النسبة الباقية من سكانها.
تعددت الروايات بخصوص أصل وجود التركمان في لبنان، منهم من جاء إلى لبنان وكان محاربًا في الجيش العثماني، ومنهم من كان موجودًا حتى قبل الحكم العثماني لبلاد الشام، ومنهم الرحل الذين وصلوا بحثًا عن معيشة أفضل.
وأشهر العائلات التّركمانيّة؛ غورلي، عيتاوي، كوجا، حريك، كاراهاميت، عثمان، كاسان، باظان، ملحم، ثلوج، كنجو، أوزديمير. وتشكّل الكواشرة، إحدى أبرز القرى التي تحتضن سكّانا حافظوا على هويتهم، ومازالوا يتحدّثون اللغة التركية إلى اليوم، ويبلغ عددهم أكثر من عشرة آلاف نسمة.
لا يشكل التركمان في لبنان أكثر من 1-2% من سكانه، أي أنهم من الأقليات، وتتراوح أعدادهم بين 100 إلى 125 ألف نسمة، حسب المعلومات والتقارير والابحاث الحديثة من قبل منظمات وجمعيات محلية.
أبرز مشكلاتهم
اندمج أغلب التركمان بالمجتمع اللبناني وصنفوا على المسلمين السنة، ليس لديهم ممثل أو جمعية يتوحدون تحت رايتها أو تطالب بحقوقهم أو حتى نائب، فهم مشتتون على طول الخريطة اللبنانية ومهملون من الدولة، عانى الكثير منهم الأمرين بسبب تقسيمات لبنان الطائفية، فقد بقي بعضهم دون هوية أو جنسية لبنانية (مكتومو القيد)، خاصة الموجودين في البقاع، ومنهم من غادر إلى سوريا بسبب الحروب اللبنانية الداخلية.
أحب التركمان لبنان واستقروا فيه وتزوجوا وأنجبوا، لكن لبنان لم يعطِ هؤلاء حقوقهم كما أعطت الدولة سائر الأقليات مثل الأرمن والسريان والعلويين، فلهؤلاء أحزابهم السياسية ومقاعدهم داخل البرلمان اللبناني ولهم وضعهم المؤثر داخل الدولة اللبنانية، رغم أن أعداد التركمان قد تفوق أعدادهم، لكن على ما يبدو أن مصلحة السلطات العليا تقتدي بأن يبقوا في الظل غير مرئيين.يعاني الكثير من التركمان بصمت واليوم تزيد معاناتهم في لبنان مع تردي الأوضاع، ناهيك بالعنصرية المقيتة والطائفية.
العلاقة بين تركمان لبنان وتركيا
تتمثل احدى اهم رغبات تركمان لبنان من تركيا ومن عالم التركي وخاصة من أذربيجان في ان يعرف الرأي العام التركي بوجودهم في لبنان.إذ لم يقم احد بدراسة اكاديمية حول تركمان لبنان الى يومنا هذا. فمن خلال تشجيع الدراسات الكاديمية المعمقة والمعتمدة على الوثائق التاريخية، يمكن توجيه التركمان اللبنانيين الى الاهتمام اكثر بتاريخهم والحفاظ على هويتهم ولغتهم. ثم انه من الفائدة بمكان إعداد برنامج وثائقي عن تركمان لبنان لتعريف تركمان لبنان للرأي العام للعالم التركي.
لم تكتشف تركيا وجود التركمان في لبنان إلا منذ فترة قصيرة نسبيًا، وهي تعود بحسب سكان القرى التركمانية في شمال لبنان إلى ما بين عامي 1988 و1989 عبر حادثة عرضية، هذه الحادثة يتناقلها سكان قرية الكواشرة التركمانية في عكار ، فبات هذا الاكتشاف محط اهتمام تركي، وقرية الكواشرة وجارتها عيدمون أصبحتا مقصدًا دوريًا للسفراء الأتراك المتتالين.
في عام 2010 زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرية الكواشرة حيث أقيم له حفل شعبي حاشد بحضور رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، بعدها بدأت تركيا ترسل مساعدات لبعض القرى اللبنانية التركمانية لا سيما عيدمون والكواشرة، ومن أبرز تلك المساعدات: المنح الجامعية لطلابها للتعلم في تركيا، كما أن السفارة التركية في بيروت والهلال التركي بنوا مدرسة ثانوية في القرية، كذلك قدم الجيش التركي العامل ضمن قوات حفظ السلام مولدًا كهربائيًا للمنطقة، بالإضافة إلى تجهيز مبنى وتقديم مستلزماته لتعليم الكمبيوتر في القرية.
تبني السفارة التركية شبكة مياه للري الزراعي وأخرى لمياه شفة وقاعة لمسجد البلدة، وقدمت مستوصفًا صحيًا وسيارة إسعاف إلى قرية البيرة المسيحية القريبة من الكواشرة، كما تؤمن السفارة التركية في بيروت أستاذًا تركيًا ليعلم أبناء الكواشرة وعيدمون وطرابلس اللغة التركية.
أشرفت تركيا على تأسيس جمعيات تضمن لها استمرار التواصل مع تركمان لبنان، ويلاحظ أنها أوعزت إلى التركمان اللبنانيين الذين تلقوا تعليمهم في تركيا عبر المنح الدراسية لإنشاء تلك الجمعيات، حيث تنظر إليهم كأفضل دعاة لها داخل الوسط التركماني اللبناني، ومن تلك الجمعيات “رابطة الشباب اللبناني – التركي” و”الجمعية اللبنانية التركية” و”الجمعية الثقافية التركية في لبنان و”جمعية الصداقة اللبنانية التركية في صيدا”، وتعمل هذه الجمعيات على نشر اللغة التركية وإقامة معارض الجامعات التي تجري دوريًا في لبنان بالإضافة إلى الاهتمام بالتراث العثماني والتركي.
وفي عام 2020 وبعد حادثة انفجار مرفأ بيروت صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، باستعداد بلاده منح الجنسية للتركمان في لبنان إن رغبوا في ذلك، ما خلق حالة واسعة من الجدل بين المتابعين للشأن اللبناني خاصة والشأن العربي عامة، إذ اعتبرها الكثيرون خطوة على درجة عالية من الخطورة تمكن الدولة التركية من التدخل في لبنان وإنشاء قاعدة شعبية لها على غرار الشمال السوري والعراقي.
|