21.01.2023 - حب الوطن عطاء لا ينضب |
حب الوطن عطاء لا ينضب
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
الوطن هو أغلى ما يعتز به الإنسان، لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته ومأوى كهولته ومنبع ذكرياته ونبراس حياته، وموطن أبائه وأجداده وملاذ أبنائه وأحفاده (مقتبس).
فالإنسان بلا وطن إنسان بلا هوية ولا ماضي أو مستقبل وحب الوطن ليس لنا عنه بديل أرض الأجداد والآباء أرض الخير والبركة والعطاء والنقاء. حب الوطن ينبع من الإيمان الخالص لله عز وجل وللوطن فهي كلمة حق في معناها ومبناها، الوطن هو قبلة على جبين الأرض وهو المكان الذي ولدنا فيه وعشنا في كنفه وترعرعنا على أرضه وتحت سمائه وأكلنا من خيراته وشربنا من مياهه وتنفسنا هوائه واحتمينا في أحضانه ولو أبعدتنا الظروف ومشاغل الحياة عن الوطن الغالي لسبب أو لآخر، فهناك دائما ما يشدنا للعودة إليه فجذورنا راسخة في ترابه وانتماؤنا وولاؤنا له لا ينتهي ولا يفنى أبداً، و كما قال الشاعر: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي إنّ حبّ الأوطان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحب الدّين؛ فحبّ الوطن يتحقق بحبّ الدّين؛ إذ إنّ مبادئ وقيم الدين الإسلاميّ تحثّ على حبّ الوطن،حب الوطن هو ذلك الإحساس الخفي الذي يُحركنا للتعلق به، والإحساس بالانتماء إليه مهما بعدت بنا المسافات، فهو شعور فطري ينمو ويكبر مع تقدمنا بالعمر، وإحساسنا بأنّ لا شيء يُضاهي دفء الأرض التي خُلقنا من ترابها، وترعرعنا في روابيها مهما رأينا وأحببنا من بلاد، إنّه حب تناقلناه من الأجداد للآباء، فاستقرّ في قلوبنا ولا زال يكبر.إنّ من الواجب على كلّ فردٍ أن يحافظ على تماسك الوطن، ويعمل على تنميته، ويسعى إلى ازدهاره.
حب الوطن عطاء لا ينضب تكمن أهمية الوطن في أنّه رمز للهُوية والتاريخ والحضارة والفخر، فهو كرامة للمواطنين، وواجبنا اتجاهه يكون بالحفاظ عليه والدفاع عنه، واحترام القوانين والالتزام بها، فهو يمنحنا حق العيش الكريم والحرية، وهذا ما يتطلب منا أن نُخلص له من خلال أن ننهض به بالمجالات كافة، خاصةً التعليم. في ضوء ما سبق، إذا أصاب الوطن مكرهًا -لا قدر الله- يقف جميع المواطنين معًا وقفة رجل واحد، للدفاع عنه، فحب الوطن يتطلب التضحية في سبيله وبذل الغالي والنفيس، حتى نراه في المعالي، وأقل ما يُمكن تقديمه له حماية منشآته والمحافظة على نظافته، والسعي لمعرفة تاريخه. فكلمة الوطن هي الكلمة المُرادفة للأمن والاستقرار، فالوطن هو ملاذُنا الهانئ الذي يحمينا من مصاعب الحياة، وهو العزّ والفخر الذي نحمله في أعماقنا حين نراه شامخًا دومًا، مشرقًا بآمالنا وطموحاتنا، مسطّرًا أشرف وأعظم التواريخ، محافظًا على التراث والأصالة، وصانعًا مستقبلنا المنير، الوطن هو المكان الذي ننتمي إليه ونتنفس هواءه كل لحظة، ونشعر أنّ ليس لنا سواه، ولا يضاهي جمالَه وطبيعتَه وسماءَه وبساتينه مكان آخر في عيوننا وقلوبنا.
حب الآباء للوطن والانتماء اليه وغرس هذا الحب في نفوس الابناء يكون ذلك الحب غذاءً روحياً لاطفالنا. كما ونذكر الاجداد كيف جابوا أرجاء بلاد ممتطين جياد العز حاملين رايات التوحيد رافعين سيوف النصر والعزه من اجل تحرير الوطن وأرساء دعائم الأمن والاستقرار للبلاد. ليأتي من بعده أبناؤه المخلصون الذين أكملوا مسيرة الرقي والنهضة للامه .
الناس تأتي وتذهب والوطن يبقى ..
قد نكره انسان أو حكومة أو وزير
ولكننا لا نكره وطننا ..
وقد أكره الفقر والبطالة والتخلف ولكنني لا أكره وطني لأن الوطن لا ذنب له وهو أجل وأكبر من أن أكرهه لأي سبب
وأحلى ما في وطني أنه وطني ..
الوطن كلمة ذات حروف بسيطة ولكنها تحمل معان عظيمة تعجز الكلمات عن حصرها فهو ليس مجرد حكاية تروى أو كلمات تقال بأسلوب عذب، بل هو من أجمل النعم التي أنعم الله بها علينا، وبالتالي فإنّ علينا نحن الأبناء واجب أن نحميه وندافع عنه ونفديه بأغلى ما نملك ونعمل بيدٍ واحدة ليبقى آمناً وصامداً.شعورنا بحب الوطن شعور الأم التي تحنو على أبنائها وترعاهم وتسهرعلى راحتهم. يفرحها ما يفرحهم ويحزنها ما يحزنهم ويؤلمها ما يؤلمهم، تسعى على الدوام للم شملهم وتحرص على تماسكهم وتعاضدهم في الشدة والرخاء ليساند بعضهم بعضا ويساعد قويهم ضعيفهم وكبيرهم صغيرهم ويكونوا أخوة متحابين ومتعاونين على البر والتقوى في وطن واحد وعلى أرض واحدة .إنّ حبّ الأوطان ليس شعارًا نتغنّى به ليلًا ونهارًا، حبّ الأوطان يكون قولًا وفعلًا، فهي تحتاج منّا المساهمة في بنائها، وذلك يكون من خلال تعاون أبناء الشعب مع بعضهم إلى أن يكونوا كالجسد الواحد، من أجل تحقيق كلّ ما يساهم في نشر العلم والثقافة والتطور في وطنهم الحبيب، فيساندون بعضهم ويساعدون من يحتاج للمساعدة، ويحافظون على خيرات وطنهم وجماليّاته وتراثه، ولا يتوانون عن نشر الوعي فيما بينهم، ويحصدون ثمار ما زرعه أجدادهم في التاريخ ويعتنون بهذا الزرع حتى يُزهر ويبقى مُثمرًا للأبد، وهكذا إلى أن يحصدوا ثمارًا جديدة، من مختلف الأنواع والأشكال، تضفي أبهى الألوان والآثار إلى هذا الوطن السامي. كيف للإنسان أن يبني بيته دون أن يصمم له أساسًا متينًا؟
ودون أن تسانده أيادٍ إضافة إلى يديه؟
ودون أن يجمع أجود أنواع اللبنات ويرصّها لبنة لبنة فوق بعضها بطريقة هندسيّة منظّمة ومدروسة؟
الوطن كالبيت الذي يأوي الإنسان، بل هو بيته الأول والأخير، فكيف لنا ألا نتعاون في الاعتناء بهذا البيت الذي يأوينا؟
إنّ للوطن علينا حقًا يتمثل برعايته وحمايته والمشاركة بكل ما يحقق ذلك، ويتضمن جعله مثالًا يُحتذى به وبأفراد شعبه بين الأوطان، مثالًا للحضارة وانتشار الخلق الحميد، والنظافة، وتطوّر العلوم، وجعله يرافقنا أينما حللنا، وينقش أثره الدائم في قلب وعقل كلّ من سكنه أو زاره، وهذا هو عينُ ما تعلّمناه من خير المعلّمين رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم حين علّمنا حبّ الوطن إذ قال: (ما أَطْيَبَكِ من بلدٍ! وأَحَبَّكِ إليَّ! ولولا أن قومي أَخْرَجُونِي منكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ) (حديث صحيح).
فلنحاول قدر استطاعتنا بذل الكثير لبناء الوطن، والارتقاء به نحو الأعالي، ونكون في سبيل ذلك يدًا واحدةً تصنع ما يعجز الفرد وحده عن عمله!.
لا بد أن نتساءل، ما الذي يجعل شعبنا يتفرج على كل ما يجري بالوطن دون أن يتحرك!! ، رغم أنه شعب كله فرسان، فالرجل عندنا بعشرة أمثاله، ونساؤنا يأكلن النار!! فالنظام قد فعل كل ما في وسعه ليحمل الشعب للثورة عليه، وهو لا يحتاج لبيان، فقد أصبح الحديث عن ذلك يبعث على الضجر بأكثر مما يؤثر على العقول، فلماذا صمت الشعب على كل ذلك ولا يريد أن يتحرك؟؟ الإجابة على هذا السؤال بسيطة، فمشكلتنا أننا شعب بلا تنظيم ولا قيادة، فيخطئ من يعتقد بأن هناك ثورة يمكن أن تنجح دون جهة تقوم بتنظيم الصفوف ورسم الطريق.
لا بد أن نعترف بأننا قد فشلنا لأكثر من نصف قرن في إنشاء تكتل الذي يعبر عن صوت الغالبية العظمى من أبناء وبنات الوطن الذين يُعرفون ب “الأغلبية الصامتة”، التي تحلم بالحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية وسيادة حكم القانون ويضمن لهم محاسبة المفسدين، حزب بلا زعامة أو رئاسة مدى الحياة.ولشعبنا العذر في أن يفكر ألف مرة قبل أن يدفع الثمن من دماء أبنائه وبناته لتغيير النظام، ثم يقوم نفس الذين خانوه ويتشاركون اليوم الحكم مع النظام بحكمه من جديد، فقد مضى الوقت الذي كان يمكن فيه الضحك على الشعب بعد أن إنكشف المستور، فحتى وقت قريب كان الشعب يصفق ويهتف للدكتاتور بالدم بالروح...
وإذا كان قد خاب أملنا في كل رجال الحكم والسياسة في الحقب الماضية، فلا ينبغي أن يدفعنا ذلك لليأس والإستسلام، والحري أن يدفعنا ذلك للبحث عن أوفياء ومخلصين ليعبروا بنا هذا النفق الطويل، ورحم الوطن أنجب الكثير من أبنائه الذين شهدنا لهم بالصمود في وجه الظلم والطغيان ولم ينكسر لهم عود، ولم يسعوا إلى سلطة أو منصب، ويحملون الوطن في حدقات عيونهم ولديهم الإستعداد للتضحية من أجله بلا مقابل، ومثل هؤلاء الرجال والنساء هم الذين نأمل ان يقفوا معنا لنجاح مشروع الوطن للجميع..
حب الوطن مغروس في القلب اخوتي ففي الختام، نقول ما أغلاك يا وطني وما أحبّك إلى قلبي!
أيّها الوطن الذي أشهدُ فيه أجمل صباحاتي، وأصحو على أشعة الشمس التي تغمر أراضيه وبساتينه وأنهاره، أَعدك بأن أُحافظ على حبّك نقيًا، وأن أنقله لأبنائي ليستمر حيًا في القلوب جيلًا بعد جيل، ولتبقى أنت ذخرًا لنا نُباهي به بين الأمم.
ولإن الوطن عزيز فحق علينا تجاهه أن نرد الجميل في شتى المجالات والواجب الأكبر علينا أن نجود بدمائنا رخيصة لأجله ونقدم كل غال ونفيس من أجل الحفاظ على حريته واستقراره وآمنه وأمانه وأن نمنع كل من تسول له نفسه أن يعوق ازدهاره ورخاءه. ولا ننسى أبدا ما حيينا شهداء الوطن الذين قدموا أرواحهم وجعلوا من أجسادهم سدا منيعا فداء لنصرته وفي سبيل رفعتة وعزته لينالوا بالمقابل الفردوس الأعلى من الجنة لقوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). فتحية فخر وإعتزاز وشموخ لأرواح شهدائنا الأبرار الأطهار. |
BLOG