سلطان باشا الأطرش بين الوطنية المزعومة وشبهات الارتباط الخارجي.. قراءة في التاريخ والراهن الدرزي في سوريا
حين تُكشف الوثائق وتسقط الرموز الأطرش والتنسيق مع الصهيونية في مقابل الموقف الوطني الثابت للتركمان السوريين...
لطالما قُدّم سلطان باشا الأطرش في السردية الرسمية السورية كرمز للثورة السورية الكبرى وقائد وطني وقف في وجه الاحتلال الفرنسي. إلا أن ظهور وثائق نادرة وصور أرشيفية تعود إلى عامي 1938 و1940 تُظهر لقاءاته مع وفود صهيونية في جبل الدروز، دفع البعض إلى إعادة النظر في هذا التصور، وطرح تساؤلات حول الدور الحقيقي الذي لعبه الزعيم الدرزي في سياق إقليمي ودولي معقد.
الوثائق والصور: معطيات تتحدى الرواية الرسمية
الوثيقة رقم (56): تُظهر لقاءً في عام 1938 جمع سلطان الأطرش مع وفد صهيوني بقيادة "أنا حخوني" و"شلومو إلهيه"، في جبل الدروز.
الوثيقة رقم (57): تُسجل استقباله وفدًا صهيونيًا جديدًا عام 1940، مما يعزز فرضية وجود علاقات وتنسيق مع الحركة الصهيونية.
في تلك الفترة، كانت سوريا تشهد مقاومة ضد الانتداب الفرنسي، وكانت القوى الوطنية تخوض صراعًا مسلحًا في مناطق عدة من البلاد. في هذا السياق، يُصبح فتح جبل الدروز أمام الوفود الصهيونية أمرًا لا يمكن المرور عليه دون تحليل أو تساؤل.
إرث مشكوك فيه: بين البطولات المصنوعة والمواقف الرمادية
رغم تمجيد النظام السوري لاحقًا لسلطان باشا الأطرش وتدريسه في المناهج المدرسية كرمز وطني، فإن أرشيف الدولة العثمانية يشير إلى أن الأطرش كان يُصنف كـ"قاطع طريق" و"مخرب"، وهو توصيف لا يُمنح عادة لمناضل شعبي، بل لمتمردين على القانون العام.
فهل كان سلطان الأطرش بالفعل قائدًا وطنيًا كما صوّره النظام؟ أم كان جزءًا من لعبة القوى الدولية التي كانت تُعيد رسم خرائط المنطقة؟ لا إجابة قاطعة، لكن الوثائق تفرض علينا إعادة قراءة المرحلة بعيدًا عن العاطفة.
الحاضر لا يقل التباسًا عن الماضي: المواقف الدرزية الراهنة في سوريا
في خضم الأزمة السورية المعاصرة، برزت مواقف عدد من الزعامات الدينية والسياسية الدرزية، التي أثارت جدلًا واسعًا، وخصوصًا بعد تقارير متكررة عن طلب الشيخ حكمت الهجري – الزعيم الروحي الحالي لدروز السويداء – دعمًا أو تدخلًا من إسرائيل بزعم "حماية الدروز".
هذه الدعوة، التي لم تُنفَ بشكل قاطع، أثارت استياءًا وطنيًا كبيرًا في الأوساط السورية، كونها تكرّر سيناريو التعاون مع العدو التاريخي تحت مبررات طائفية أو "أمنية".
وقد ترافقت هذه الدعوات مع تحركات على الأرض، منها رفض الانخراط في مؤسسات الدولة، ورفع شعارات انفصالية مبطنة، بل ومحاولات لبناء "حكم ذاتي" في السويداء خارج سلطة الدولة المركزية، وهو ما يراه مراقبون جزءًا من خطة أكبر لتفتيت سوريا على أسس طائفية وعرقية.
من الجبل إلى العزلة: نتائج الخيارات السياسية الخاطئة
أدت هذه المسارات إلى واقع مأزوم في السويداء:
عزلة جغرافية وسياسية عن باقي المحافظات السورية.
تدهور اقتصادي وأمني في ظل غياب مؤسسات الدولة بشكل فاعل.
تراجع في الثقة الوطنية من بقية مكونات الشعب السوري تجاه الطائفة الدرزية، رغم وجود أصوات وطنية داخلها.
إن الخيار الذي تبنته بعض القيادات الدرزية بالابتعاد عن المركز والانخراط في تحالفات مشبوهة، قد يُعيد إنتاج النموذج اللبناني، حيث تحوّلت الطوائف إلى أدوات بيد قوى إقليمية ودولية، على حساب الوطن والمواطن.
لا تزييف في التاريخ... ولا قداسة لأحد فوق النقد
إن إعادة النظر في ماضي سلطان باشا الأطرش وربطه بالحاضر السياسي في السويداء، ليس استهدافًا لطائفة أو مكون، بل محاولة لفهم المسارات التي أدّت إلى تقويض الوحدة الوطنية. إنَّ الأوطان لا تُبنى على تمجيد الأشخاص دون تمحيص، ولا تُحمى بالتحالفات المشبوهة أو الخطابات الانعزالية، بل بالوضوح والمساءلة، وبالالتفاف حول مشروع وطني جامع.
وإذا أردنا لسوريا مستقبلًا موحدًا، فعلينا أن نفكك الروايات المصطنعة، وأن نحاسب كل من ساهم أو يسعى إلى تفتيت البلاد، تحت أي شعار أو ذريعة. كما ينبغي أن نرتقي فوق الانتماءات الضيقة ونتوحد حول قيم العدل والسيادة ووحدة الأرض والشعب، وهي المبادئ التي تبنّاها التركمان السوريون منذ الأيام الأولى لثورة الحرية والكرامة.
فالتركمان، وعلى الرغم من تهميشهم المزمن، رفضوا بشكل حاسم أي دعوات للانفصال أو الحكم الذاتي، وأعلنوا في بياناتهم ومواقفهم السياسية التزامهم بوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، مؤكدين أن التنوع العرقي والديني في سوريا هو مصدر غنى، لا مبرر للتقسيم.
وقد رفع ممثلوهم في الداخل والخارج شعارات واضحة مثل:
"سوريا وطن واحد لا يتجزأ"
"نرفض الفيدرالية القائمة على المحاصصة القومية"
"التركمان جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، ولسنا أقلية بل مكوّن وطني أصيل"
كما دعوا باستمرار إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة، وتحترم الجميع دون استثناء أو تمييز، بعيدًا عن منطق الطوائف والعرقيات المسيّسة.
بهذا النهج الوحدوي الصادق، لا بالتقوقع والانغلاق، تُبنى الأوطان، وتُصان كرامة الشعوب، وتُهزم مشاريع التفتيت.
|